My Account Sign Out
My Account
Morning over the bay

مخلوق من أجل أن يرى

بقلم أليس فون هيلدابراند Alice von Hildebrand

20 يوليو. 2016

اللغات المتوفرة: español ، English

0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسل

إنّ الأستاذة الجامعية الدكتورة أليس فون هيلدابراند هي أرملة الفيلسوف الألماني المناهض للنازية الأستاذ ديتريش فون هيلدابراند Dietrich von Hildebrand. وقد درّستْ أليس الفلسفة في كلية هنتر Hunter College، الواقعة في مانهاتن، نيويورك، لمدة 37 سنة إلى أن أُحيلت على التقاعد في عام 1984م. بالإضافة إلى أنها قد كتبت العديد من الكتب. وهي بالأصل من بلجيكا، إلا أنها جاءت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1940م. وفي مقابلة صحفية مطولة أُجريتْ في شقتها في مانهاتن، نيويورك، في أكتوبر الماضي، تحدثت أليس، وعمرها 88 عاما، عن مواضيع متعددة بدءً بدور المرأة في المجتمع وإلى الزواج والعزوبية وانتهاء بالمصير الخالد للروح البشرية. وهذه المقالة هي واحدة من سلسلة المقالات المقتطفة من ذلك اللقاء الصحفي:

كلنا لدينا بقعا عمياء. أتذكر عندما كان زوجي يحكي عن الوقت الذي جاء فيه السيد المسيح إلى أريحا. (مرقس 10: 46-52) وكان يجلس على جانب الطريق رجل أعمى يصيح وينادي، "يا يَسوعُ اَبنَ داودَ، اَرحَمْني!" فدعاه يسوع، وسأله، "ماذا تُريدُ أنْ أعمَلَ لكَ؟" فأجابه، "أنْ أُبصِرَ." ولما كان العمى أمر فظيع للغاية، فإننا نفهم لماذا سأل ذلك الرجل أن ينال البصر. فقد كان يعلم مدى عماه. لكننا عميان خُلُقيّاً. والمشكلة هي أننا لا ندرك عمانا.

وقد اِلتبس الأمر على الناس. إنّ العمى الخلقي هو سرطان في المجتمع. وفي هذه الأيام، قلما أذهب إلى مدينة نيويورك، ولكني ذهبت قبل عدة أسابيع. ولو شاهدتَ أزياء الملابس العصرية التي يرتديها الناس لما كان لك إلا أن تقول، "العمى له فوائد أيضاً." وكذلك الطَّرش. وكما تعلم، فإنه من المحزن جداً ألا يكون لك أولاد، لأن الأولاد هم من أعظم بركات الحياة. ولكن لو كان لدي ولد اليوم، لكنت أعيش في خوف مستمر، على ما أظن، لئلا يشاهد مشاهدا خلاعية. فلما كنتُ بنتا صغيرة لم أكن حتى أعلم بأنها موجودة، وحتما لا أتذكر بأني قد شاهدتها مرة في حياتي. أما الآن، وحينما أذهب إلى المول Mall (أيْ مركز التسوق) فتراها في كل مكان من حولك. فكيف يقدر المرء على أن يحمي ولدا صغيرا بريئا هذه الأيام؟

وإن كان الشخص لا يريد أن يرى أن هناك مشكلة، فلا ينفع أي شيء لمساعدته. وقد لاحظتُ هذا الشيء في الصف الجامعي في نيويورك، حيث قضيت آلاف الساعات أدرّس الفلسفة فيه. فلو درّستُ لغتي الأصلية، اللغة الفرنسية، لما كانت العملية صعبة. لأنه إذا رفع أحد الطلاب يده معربا عن عدم اتفاقه معي على أمر باللغة الفرنسية، سيشعر على الفور بالخجل وسيستحي. فمن الواضح هو أنني متمكنة من اللغة الفرنسية لكن الطلاب غير متمكنين منها. أما إذا تكلمنا عن موضوع الحقّ والجود، وعن العدل، وعن النقاء الجنسي – وما إلى ذلك – فنرى الناس يرفعون أيديهم على الفور ويقولون، "أنا لا أتفق معكِ. فهذا هو مجرد رأيكِ." وفي الكلية التي كنتُ أدرّس فيها كان عليّ أن أكون حريصة فيما أقوله. فكانت بالأساس مؤسسة ملحدة. فإذا ذكرتُ شيئا حتى لو كانت مجرد رائحته مسيحية، كانوا يتهمونني بأنني أدرّس دين وليس فلسفة. وقد لـمَّحتُ مرة إلى وجوب أن يكون الحب آصرة مؤبدة بين الرجل والمرأة وليس سعيا طائشا وراء المتعة. فإذا بطالب يرفع يده ويصرّح، "لا أتفق معكِ. فأنا أتمتع بوقت رائع، وهي كذلك. ما الضرر في ذلك؟" فماذا بوسعي ان أقول بعد؟ فإما ترى أو لا ترى. فلو كنتَ شاباً (أو شابة) وتنام كل يوم مع شخص مختلف، وأحيانا تكون ممتعة وأحيانا لا تكون ممتعة، لاِستحال اقناعك بأن هذا غير صحيح. فعندما تكون أعمى خُلُقيا، فلا يمكنك ببساطة رؤية الأمور.

فنحن نحتاج حقا إلى أنبياء العهد القديم. غير أن الكثير من الناس لا يريدون سماع الحقّ. فعندما تم اختراع القنبلة الذرية في الأربعينيات من القرن الماضي، قلت لنفسي، "الإنسان الآن، سيغرَّه الغرور أكثر من أي وقت مضى وسيعتبر نفسه الله." ونعتقد اليوم، حيث قد "تطورنا" إلى درجة كبيرة، بأننا نسيّر كل شيء. قال الله في سفر التكوين من الكتاب المقدس، " لِيكُنْ." ولكن الإنسان يقول من ناحية أخرى، "لاَ يَكُنْ." عندما أخرج إلى بلكون شقتي حيث يسعني رؤية مدينة نيويورك، أقول لنفسي أحيانا، "لو أراد شخص مجنون أن يصنع شرّا، لكان في مقدوره أن ينسف كل هذه المدينة عن بكرة أبيها بدقيقة واحدة." فلا تحتاج إلا إلى أن تضغط على زر ولا يبقى هناك أي شيء سوى الغبار والرماد – والصراصير. هذا ويبدو أن الصراصير تنجو من القنبلة الذرية.

لذا نحن قادرين على تدمير العالم، ولكننا لا نزال نخدع أنفسنا بالاعتقاد بقدوم يوم نستطيع خلقه؛ وبالاعتقاد بأننا سنقهر الموت بالفعل. فلذلك نحن ملوك، ونحن آلهة. وهذا هو سبب التهديد بالموت الذي يلقاه عالمنا! لنتذكر، أن الشيطان هو الذي قال، "...وتَصيرانِ كآلِهَةٍ..." (تكوين 3: 5)

فماذا سنفعل؟ وكيف نجعل الناس تتفتّح عيونهم؟ ليس بالوعظ والخطب. فالوعظ والخطب تجارة خطيرة جدا، لأن الناس سيتهمونك بأنك تحسب نفسك أحسن منهم. لكنني أؤمن بأن أفضل حلّ هو الصلاة. فيجب أن نصلي لأجل الناس، لأنه عمر الإنسان ما استطاع أن يجبر غيره على رؤية الأمور بطريقة مختلفة. ولكننا نحن أيضا يجب أن ننظر إلى أنفسنا. فها أنا قد وصلت إلى نهاية عمري وأعلم باني لا ارى بعض الأشياء في حياتي. ولكي أرى ذنوبي فأنا بحاجة إلى واحدة من أهم الفضائل الحاسمة التي يعلّم بها الإنجيل: التواضع. ومن يقدر على تعليمنا التواضع؟ إنه السيد المسيح. فقد صار ابن الله إنسانا، ولبس طبيعتنا البشرية الضعيفة. فقد عرف المعاناة. وعرف العذاب. وعرف الخوف.

لنصلِّ من أجل العالم. لنصلِّ، لأننا قد انحرفنا عن الطريق انحرافا فظيعا. فعندما نقرأ الإنجيل، نرى يسوع يتكلم عن نهاية الأزمنة، حيث يصير الناس فيها غير مطيعين لله، ويعيشون في حيرة واِلتباس. لكنه يبدو حقا أنه يتكلم عن يومنا الحاضر.

غير أنّ هناك أمل. وما أزال أؤمن بأنّ أفضل وسيلة لمساعدة الآخرين هي أن نحاول أن نشعّ ما ينشده الناس حقيقة ولكنهم غير حاصلين عليه: ألا وهو السلام والفرح. فلنحاول بأسلوبنا البسيط جدا أن نشعّ السلام الذي يريد الله أن يهبه للإنسان. فلنمضِ في جهادنا في سبيل هذا الأمر إلى أن يسألنا الناس أخيرا، "ما سرّكم؟" عندئذ، ربما يبدؤون برؤية الأمور.

Times Square New York
مساهمة من Alice von Hildebrand in 2012 أليس فون هيلدابراند

مقتطفات من مقابلات أُجريت مع الدكتورة أليس فون هيلدابراند، الفيلسوفة واللاهوتية الكاثوليكية، حول مواضيع تتراوح بين دور المرأة والزواج والعزوبية والمصير الأبدي لروح الإنسان.

اِقرأ المزيد
0 تعليقات